فصل: تفسير الآيات (116- 117):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (68):

{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)}
{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول} يعني القرآن، وهذا توبيخ لهم {أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الأولين} معناه أن النبوّة ليست ببدع فينكرونها، بل قد جاءت آناؤهم الأولين فقد كانت النبوة النوح وإبراهيم وإسماعيل وغيرهم.

.تفسير الآية رقم (69):

{أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)}
{أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ} المعنى أم لم يعرفوا محمداً صلى الله عليه وسلم، ويعلموا أنه أشرفهم وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة وأرجحهم عقلاً، فكيف ينسبونه إلى الكذب أو إلى الجنون، أو غير ذلك من النقائص؟ مع أنه جاءهم بالحق الذي لا يخفى على كل ذي عقل سليم، وأنه عين الصواب.

.تفسير الآية رقم (71):

{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)}
{وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض} الاتباع هنا استعارة، والحق هنا يراد به الصواب والأمر المستقيم، فالمعنى لو كان الأمر على ما تقتضي أهواؤهم من الشرك بالله واتباع الباطل لفسدت السموات والأرض كقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وقيل: إن الحق في الآية هو الله تعالى، وهذا بعيد في المعنى، وإنما حمله عليه أن جعل الاتباع حقيقة لوم يفهم فيه الاستعارة، وإنما الحق هنا هو المذكورة في قوله، {بَلْ جَآءَهُمْ بالحق وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} يحتمل أن يكون بتذكيرهم ووعظهم أو بفخرهم وشرفهم وهذا أظهر.

.تفسير الآية رقم (72):

{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)}
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً} الخرج هو الأجرة ويقال فيه: خراج والمعنى واحد، وقرئ بالوجهين في الموضعين فهو كقوله أم تسألهم أي لست تسألهم أجراً فيثقل عليهم اتباعك {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} أي رزق ربك خير من أموالهم فهو يرزقك ويغنيك عنهم.

.تفسير الآية رقم (74):

{وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)}
{عَنِ الصراط لَنَاكِبُونَ} أي عادلون ومعرضون عن الصراط المسقيم.

.تفسير الآيات (75- 77):

{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)}
{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ} الآية: قال الأكثرون: نزلت هذه الآية حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش بالقحط فنالهم الجوع حتى أكلوا الجلود وغيرها، فالمعنى رحمناهم بالخصب وكشفنا ما بهم من ضرّ الجوع والقحط: لتمادوا على طغيانهم، وفي هذا عندي نظر، فإنَّ الآية مكية باتفاق، وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بعد الهجرة حسبما ورد في الحديث، وقيل: المعنى لو رحمناهم بالرد إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه، وهذا القول لا يلزم عليه ما لزم على الآخر، ولكنه خرج عن معنى الآية: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بالعذاب} قيل: إن هذا العذاب هو الجوع بالقحط، وأن الباب ذا العذاب الشديد المتوعد به بعد هذا يوم بدر، وهذا مردود بأن العذاب الذي أصابهم إنما كان بعد بدر، وقيل إن العذاب الذي أخذهم هو يوم بدر، والباب المتوعد به هو القحط، وقيل: الباب ذو العذاب الشديد: عذاب الآخرة، وهذا أرجح، ولذلك وصفه بالشدّة لأنه أشد من عذاب الدنيا، وقال: {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}: أي يائسون من الخير، وإنما يقع لهم اليأس في الآخرة كقوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُبْلِسُ المجرمون} [الروم: 12].
{فَمَا استكانوا} أي ما تذللوا لله عز وجل، وقد تقدم الكلام على هذه الكلمة في آخر [آل عمران: 146] {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} إن قيل: هلا قال: فما استكانوا وما تضرعوا، أو فما يستكينون وما يتضرعون باتفاق الفعلين في الماضي أو في الاستقبال؟ فالجواب: أن ما استكانوا عند العذاب الذي أصابهم، وما يتضرعون حتى يفتح عليهم باب عذاب شديد فنفى الاستكانة فيما مضى، ونفى التضرع، في الحال والاستقبال.

.تفسير الآيات (78- 79):

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79)}
{قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} ما زائدة، وقليلاً صفة لمصدر محذوف تقديره: شكراً قليلاً تشكرون وذكر السمع والبصر والأفئدة وهي القلوب لعظم المنافع التي فيها، فيجب شكر خالقها؛ ومن شكره: توحيده واتباع رسوله عليه الصلاة السلام، ففي ذكرها تعديد نعمة وإقامة حجة {ذَرَأَكُمْ فِي الأرض} أي نشركم فيها.

.تفسير الآية رقم (80):

{وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)}
{وَلَهُ اختلاف الليل والنهار} أي هو فاعله ومختص به فاللام على هذا للاختصاص، وقد ذكر في البقرة معنى اختلاف الليل والنهار.

.تفسير الآيات (81- 83):

{بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)}
{بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأولون} أي قالت قريش مثل قول الأمم المتقدمة، ثم فسر قولهم بإنكارهم البعث، وإليه الإشارة بقولهم: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هذا}، وقد ذكر الاستفهامان في الرعد، وأساطير الأولين في الأنعام.

.تفسير الآيات (84- 90):

{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90)}
{قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَآ} هذه الآيات توقيف لهم على أمور لا يمكنهم الإقرار بها، وإذا أقروا بها لزمهم توحيد خالقها والإيمان بالدار الآخرة {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} قرئ في الأول لله باللام بإجماع، جواباً لقوله: {لِّمَنِ الأرض}، وكذلك قرأ الجمهور الثاني والثالث، وذلك على المعنى لأن قوله: {مَن رَّبُّ السماوات} في معنى لمن هي، وقرأ أبو عمرو الثاني والثالث بالرفع على اللفظ {مَلَكُوتُ} مصدر وفي بنائه مبالغة {يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} الإجازة المنع من الإهانة، يقال: أجرت فلاناً على فلان، إذا منعته من مضرته وإهانته، فالمعنى أن الله تعالى بغيث من شاء ممن شاء، ولا يغيب أحد منه أحداً {فأنى تُسْحَرُونَ} أي تخدعون عن الحق والخادع لهم الشيطان، وذلك تشبيه بالسحر في التخطيط والوقوع في الباطل، ورتب هذه التوبيخات الثلاثة بالتدريج فقال أولاً: {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} ثم قال ثانياً: {أَفَلاَ تَتَّقُونَ}، وذلك أبلغ، لأن فيه زيادة تخويف، ثم قال ثالثاً: {فأنى تُسْحَرُونَ} وفيه من التوبيخ ما ليس في غيره {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} يعني فيما ينسبون لله من الشركاء والأولاد، ولذلك رد عليهم بنفي ذلك.

.تفسير الآية رقم (91):

{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)}
{إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ} هذا برهان على الوحدانية، وبيانه أن يقال: لو كان مع الله إلهاً آخر لانفرد كل وا حد منهما بمخلوقاته عن مخلوقات الآخر، واستبدّ كل واحد منهما بملكه، وطلب غلبة الآخر والعلوّ عليه كما ترى حال ملوك الدنيا، ولكن لما رأينا جميع المخلوقات مرتبطة بعضها ببعض حتى كأن العالم كله كرة واحدة: علمنا أن مالكه ومدبره واحد، لا إله غيره. وليس هذا البرهان بدليل التمانع كما فهم ابن عطية وغيره، بل هو دليل آخر، فإن قيل: إذ لا تدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب، فكيف دخلت هنا ولم يتقدّم قبلها شرط ولا سؤال سائل؟ فالجواب: أن الشرط محذوف تقديره لو كان معه آلهة وإنما حذف لدلالة قوله: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}، وهو جواب للكفار الذين وقع الرد عليهم.

.تفسير الآية رقم (92):

{عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)}
{عَالِمِ الغيب} بالرفع خبر ابتداء، وبالخفض صفة الله.

.تفسير الآيات (93- 94):

{قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94)}
{قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} الآية: معناه أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو لنفسه بالنجاة من عذاب الظالمين إن قضى أن يرد ذلك، وفيها تهديد للظالمين وهم الكفار، وإن شرطية وما زائدة، وجواب الشرط {فَلاَ تَجْعَلْنِي}، وكرر قوله: {رَّبِّ} مبالغة في الدعاء والتضرع.

.تفسير الآية رقم (96):

{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)}
{ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ السيئة} قيل التي هي أحسن لا إله إلا الله، والسيئة الشرك، والأظهر أنه أمر بالصفح والاحتمال وحسن الخلق وهو محكم غير منسوخ، وإنما نسخ ما يقتضيه من مسالمة الكفار.

.تفسير الآيات (97- 101):

{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)}
{مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين} يعني نزغاته ووساوسه، وقيل: يعني الحنون، واللفظ أعم من ذلك {أَن يَحْضُرُونِ} معناه أن يكونوا معه، وقيل: يعني حضورهم عند الموت {حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الموت} قال ابن عطية: حتى هنا حرف ابتداء: أي ليست غاية لما قبلها، وقال الزمخشري: حتى تتعلق بيصفون: أي لا يزالون كذلك حتى يأيتهم الموت {قَالَ رَبِّ ارجعون} يعني الرجوع إلى الدنيا، وخاطب به مخاطبة الجماعة للتعظيم، قال ذلك الزمخشري وغيره، ومثله قول الشاعر:
ألا فارحمون يا آل محمد

وقيل إنه نادى ربه ثم خاطب الملائكة {فِيمَا تَرَكْتُ} قيل: يعني فيما تركت من المال، وقيل: فيما تركت من الإيمان فهو كقوله: {أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام: 158]، والمعنى أن الكافر رغب أن يرجع إلى الدنيا ليؤمن ويعمل صالحاً في الإيمان الذي تركه أول مرة {كَلاَّ} ردع له عما طلب {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا} يعني قوله: {رَبِّ ارجعون} {لعلي أَعْمَلُ صَالِحاً} فسمى هذا الكلام كلمة وفي تأويل معناه ثلاثة أقوال: أحدها أن يقول هذه الكلمة لا محالة لإفراط ندمه وحسرته فهو إخبار بقوله والثاني أن المعنى أنها كلمة يقولها ولا تنفعه ولا تغني عنه شيئاً، والثالث أن يكون المعنى أنه يقولها كاذباً فيها، ولو رجع إلى الدنيا لم يعمل صالحاً {وَمِن وَرَآئِهِمْ} أي فيما يستقبلون من الزمان والضمير للجماعة المذكورين في قوله جاء أحدهم {بَرْزَخٌ} يعني المدة التي بين الموت والقيامة، وهي تحول بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا وأصل البرزخ الحاجز بين شيئين {فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ} المعنى أنه ينقطع يومئذ التعاطف والشفقة التي بين القرابة؛ لاشتغال كل أحد بنفسه كقوله: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس: 34-35] فتكون الأنساب كأنها معدومة {وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ} أي لا يسأل بعضهم بعضاً لاشتغال كل أحد بنفسه، فإن قيل: كيف الجمع بين هذا وبين قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} [الطور: 25] فالجواب أن ترك التساؤل عند النفخة الأولى ثم يتساءلون بعد ذلك، فإن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف كثيرة.

.تفسير الآية رقم (104):

{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)}
{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار} أي تصيبهم بالإحراق {كَالِحُونَ} الكلوح انكشاف الشفتين عن الأسنان، وكثيراً ما يجري ذلك للكلاب، وقد يجري للكباش إذا شويت رؤوسها، وفي الحديث: إن شفة الكافر ترتفع في النار حتى تبلغ وسط رأسه، وفي ذلك عذاب وتشويه.

.تفسير الآية رقم (106):

{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)}
{غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} أي ما قدر عليهم من الشقاء، وقرئ شقاوتنا، والمعنى واحد.

.تفسير الآية رقم (108):

{قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)}
{قَالَ اخسئوا} كلمة تستعمل في زجر الكلاب، ففيها إهانة وإبعاد {وَلاَ تُكَلِّمُونِ} أي لا تكلمون في رفع العذاب، فحينئذ ييأسون من ذلك، أعاذنا الله من ذلك برحمته.

.تفسير الآية رقم (110):

{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)}
{سِخْرِيّاً} بضم السين من السخرة بمعنى التخديم، وبالكسر من السخر بمعنى الاستهزاء، وقد يقال هذا بالضم، وقرئ هنا بالوجهين لاحتمال المعنيين، وعلى أن معنى الاستهزاء هنا أليق لقوله: {وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ}.

.تفسير الآيات (112- 115):

{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)}
{كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض} يعني في جوف الأرض أمواتاً، وقيل: أحياء في الدنيا، فأجابوا بأنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم لاستقصارهم المدة أو لما هم فيه من العذاب بحيث لايعدون شيئا {فَسْئَلِ العآدين} أي اسأل من يقدر على أن يعدّ، وهو من عوفي مما ابتلوا به أو يعنون الملائكة {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} معناه أنه بالنسبة إلى بقائهم في جهنم خالدين أبداً {عَبَثاً} أي باطلاً والمعنى إقامة حجة على الحشر للثواب والعقاب.

.تفسير الآيات (116- 117):

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)}
{لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} أي لا حجة ولا دليل، والجملة صفة لقوله: {إِلَهَا آخَرَ} وجواب الشرط {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} الضمير للأمر والشأن، وانظر كيف افتتح السورة بفلاح المؤمنين وختمها بعدم فلاح الكفارين، ليبين البون بين الفريقين والله أعلم.